(البلاغ الأسبوعي في يوم الجمعة ٧ يناير ١٩٢٧) ٥
الفكرة
لقد حبب إليّ الكلام عن الفكرة إنني
رأيتها تخلد في الحياة ويفنى ما سواها. ورأيتها
تبجل وتذكر وينسى ما دونها ويقبر. ورأيت
أن الإنسان بغير الفكرة ظل زائل وآلة لا تلبث
أن تفسد فتهمل فتفنى مادتها ويرخى عليها
ذيل النسيان. وأما إنسان بفكرته فيخلد في
الحياة ما دام في الحياة مفكر إذ الفكرة هي الحياة
ولا حياة لغير الفكرة ولست أعني بالفكرة التي
تكسب صاحبها الخلود تلك الفكرة الضالة العقيمة
ولا تلك الفكرة العادية البسيطة التي تميز الإنسان
بعض الشيء عن الحيوان. وإنما أعني بها تلك
الفكرة الحية الصميمة التي تتمثل فيها قوة الطبيعة
وروح الحياة. تلك التي ترى ظواهر الأشياء
على اختلاف أنواعها فتصورها وتبحث في
أجزائها ودقائقها وتلم بحقيقتها وكنهها ثم تتعرف
عللها وعلاقة بعضها ببعض.
كما لست أقصد بالرجل الخالد في الحياة ذلك
الذي تهديه فكرته الى الحقيقة ثم يحول دون
اظهارها ضعف نفسه وقلة إرادته. وإنما
أقصد به ذلك الشجاع القوي الذي يصدع برأيه ويجهد
بفكرته ولا يرضخ إلى إلا للحقيقة ولا يطيع إلا
أوامر الحق. فهذا الرجل وتلك الفكرة هما أكبر
مظاهر الإنسانية فيهما يرى المفكر أن على
الأرض عظمة تسمو بمقاصدها إلى الكمال
وأن الإنسان وحده دون سائر المخلوقات هو
القيم على تمثيل هذه العظمة عن طريق الفكرة
الصميمة التي يتركها بعده تجري إلى الابد كأنها
مجرى ماء عذب وتروي زرعاً في النفوس
أوشك أن يجف عوده ويذبل زهره فيورق
من جديد ويعود وقد استغلظ فاستوي على
سوقه فأثمر وزكا نبته وأنبت من كل زوج
بهيج. فكأن الرجل المفكر لا تقتصر فائدته
على نفسه أو على الوسط الذي يعيش فيه وإنما
تتسرب منه إلى أجيال تأتي بعده وتخلد اسمه
وانا يمكنا أن نعرف قيمة صاحب الفكرة إذا
علمنا أن كل الخيرات التي تعود على أمة من
جراء فرد أو جماعة أنما هي نتيجة الفكرة الحية
وليست نتيجة المادة الفانية. فما كشف كولمبس
النقاب عن أمريكا إلا بعد أن هداه فكرة إلى
وجودها. وما أظهر نيوتن مخترعاته إلا بعد أن
كون لنفسه فكرة حية ترى الأشياء على حقيقتها.
وما أخرج روفائيل عجائب فنه إلا بعد أن
تصور في فكرة كل ما تركه وراءه من عجائب
الفن. بل ما خلد اسم شكسبير إلا فكرة
صحيحة جعلت العالم يمكث إلى النهاية يردد اسم
شكسبير وجعلت شكسبير يظل إلى الأبد يخاطب
العالم. وأما المادة فلا يمكن أن تقارنها بالفكرة
إذ هي تفني وقفني (تفنى) رجالها. والتاريخ شاهد على
ذلك فارجع البصر أيها القارئ الكريم إلى
صفحاته وقلبها هل ترى من مظاهر المادة من
أثر؟ أم هل ترى لهذه الألفاظ الضخمة من
أسماء القياصرة والجبابرة والملوك والقواد من
معنى في الحياة؟ هذا مترنيخ أمير الرجعية
وشيخ العتاه ماذا بقي من أثره في النمسا؟ اسم
عظيم ولا أثر في سجل العظمة. وهذا لويس
الرابع عشر صاحب الملك الضخم والصرح
العظيم لم يمض على فرنسا بعده خمسون سنة حتى
تهدم صرحه وانهار بنيانه. وهذا بسمارك داهية
ألمانيا هل بقي لألمانيا شيء من أعماله الآن ولم
يمض على موته 30 سنة؟ ذلك لأن هؤلاء
الرجال كانوا يعنون بقوة أشخاصهم لا بقوة
الحياة الخالدة الماثلة في الفكرة الصميمة التي
تحكم العالم في مختلف عصوره وأجياله ونظروا
إلى المادة فاذا المادة هباء تذروه الرياح في بلاقع
السديم. وأما شيشرون وفيثاغورس وروسو
وشكسبير وهوميروس ونيوتن وروفائيل وغيرهم
من الذين كونوا لنفسهم فكرة حية خالدة
فكانوا يختزنون في خزائن عقلهم قوة الفكرة
فلما فنيت مادتهم تقمصت منها تلك القوة
وأخذت تسطع بضوئها على هذا العالم لتهديه
إلى سبل الرشاد. عبد المنصف عيسوي
حقوقي بالجامعة المصرية
صورة إلى اليمين
المستر جون براوننج الأمريكي الذي اخترع مسدس
براوننج المعروف وقد توفى حديثاً
صورة إلى اليسار
انتشر التلفون
اللاسلكي في أوروبا
انتشارا غريبا
وصار يستعمل في
منازل الأغنياء
والفقراء على
السواء وفي
القهوات والأندية
ومحل الاجتماع
ولقد تقدم
انتشاره خطوة
أخرى باستعماله في
القطارات والنمسا
هي أول حكومة
اتخذته لهذا الغرض
وقد أدخلته أولا في
قطار الاكسبريس
الذي يسافر من فينا إلى أمستردام عاصمة هولنده وخصصت له في كل عربة من القطار بعض صالونات يدخلها من يريد
من المسافرين فيسمع الموسيقى والخطب والبيانات التي تأتي من فينا أو ميونخ