page_0006

OverviewTranscribeVersionsHelp

Facsimile

Transcription

Status: Complete

٦ (البلاغ الأسبوعي في يوم الجمعة ٧ يناير ١٩٢٧)

التجمع
بحث اجتماعي

نحن الآن في عصر بلغ المجتمع فيه شأوا
عظيما من التطور، باعد بينه وبين أول نشأته
وقت أن كانت الفطرة الطابع الذي وسم به كل
نظمه وعناصره فبعد أن كانت الأفراد هي التي
ينشأ منها المجتمع أصبحنا وقد انعكست الآية
فصار المرء يولد في المجتمع وينشأ فيه ويتطور
فيه ويموت فيه. بيد أن الفرد يمر بدوائر
متعددة من المجتمع كل منها يسمه بدوره بسمة
مخصوصة ويترك في نفسه أثراً يتفاوت قوة
وضعفا ويتكون مع الزمن في وجدانه حالة
نفسية خاصة تتغلغل في كل أعماله هي الضمير
الاجتماعي، وشعوره بأنه جزأ من جماعة معينة
وفرد من أفراد ومجتمع معين
وإن أول النظم التي ه يمر بها المرء وتترك في
نفسه طابعا خالدا هو النظام العائلي الخاص،
ثم مايزال المرء مع السن وظروف الحياة يتصل
تدريجيا ببقية النظم الاجتماعية من نظم التعليم
والمدارس، ونظم الدين كالكنيسة أو الجامع
والطوائف الدينية، والنظم الاقتصادية وعلى
الخصوص المهنة التي تحدد له مركزا خاصا في
المجتمع، وغير ذلك حتى يتصل أخيرا بنظام
الدولة فيتجلى له النظام الاجتماعي بأكمله
ويفهم من اتصاله الوثيق بأفراد المجتمع في جهودهم
المتنوعة أنه فرد اجتماعي قبل كل شيء
إن هذه الاجتماعية المحضة أو الشعور
الاجتماعي وإن المرء فرد اجتماعي، يشعر به الفرد
أينما ذهب وأينما حل. وليست المدن وحدها
هي التي يشعر فيها الفرد بتلك القوة الهائلة في
النفس، بل إنها تتناول البدوي الراحل، والفلاح
الملازم غيطه، والمفكر الذي حتم على نفسه
مجافاة الجماعة وتجنبها فتكون تلك العاطفة
الاجتماعية محلية محضة إذا لم تتعد دائرة الكفر
أو العزبة أو المركز مثلا، وتكون قومية إذا
تناولت كل جهود الأمة، وتكون عالمية إذا
كان الاهتمام بالحوادث العالمية مثلا جزءاً أساسيا
من ضميره الاجتماعي، وفي هذه الحالة تكون
هذه العاطفة قد اتسعت وتعمقت فيه نفس
الفرد حتى تكون هي والعاطفة الإنسانية واحدة
وتصير الاجتماعية والإنسانية إسمين لعاطفة واحدة
وشعور واحد.
إن هذه الخبرة الاجتماعية وهذا الضمير
الاجتماعي غير موزع بين الطبقات توزيعا عادلا
بحيث يكاد كل فرد من أفراد مجتمع ما يشبه بقية
الأفراد في صفاتهم الاجتماعية بل انفردت كل
طبقة من الطبقات بنصيب خاص من ذلك
الشعور الإجتماعي يتناسب ومركزها الاقتصادي
والأدبي أو المادي والمعنوي. غير أن نشوء
بعض الأنظمة الحديثة كالصحافة مثلا و القهوات
والنوادي ودور الملاهي والجمعيات والنقابات وما
إلى ذلك سهل على كل طبقات المجتمع التجانس
الاجتماعي، والتماثل في المشاعر الاجتماعية حتى
يصح القول لأن نظام الطبقات والتفاوت بينها
قد قضت عليه الديمقراطية الحديثة وتطور
المجتمع العصري. وقد تنبه إلى ضرورة هذا
التجانس في المشاعر الاجتماعية في أفراد المجتمع
بعض كتاب القرن الماضي الاجتماعيين كأساس
لنظرياتهم عن التقدم الاجتماعي فالمؤرخ الإنكليزي
"توماس بكل" أقدم على كتابة تاريخه عن التمدن
في إنكلترا بسبب ذلك التشابه والتجانس
الاجتماعي الموجود بين أفراد الأمة الإنكليزية
وعدم التفاوت الهائل الموجود بين الطبقات كما
هو في الأمم الأخرى المعاصرة له إذ ذاك
أما الأفراد الناشئون في المجتمع فهم يقبلون
النظام الاجتماعي صاغرين، دون أخذ رأيهم
في صلاحه أو فساده وأن ما يهمنا هنا هو
مقدار تشرب الأفراد بالشعور الاجتماعي
والخبرة الاجتماعية. والاجتماعي لا يهتم بالأعمال
الفردية الخاصة الخارجة عن جهود المجتمع
ودائرة العمل الاجتماعي ولا يعبأ بها إلا بمقدار
أثرها في تطور المجتمع وسيره. نعم قد يكون
لدرس هذه الأعمال الفردية البحتة فائدة
على أنها خارجة عن دائرة علم الاجتماع، وعلم
النفس فقط هو الذي يهتم بها دون غيره
غير أن كثيراً من جهود الفرد الاجتماعية ليس
مقصوراً على نظام اجتماعي واحد. فلا يوجد
نظام اجتماعي يستغرق كل جهود الفرد الاجتماعية.
فحياة المتدين مثلا ليست قاصرة على الكنيسة
أو الجامع أو النظام الديني المخصوص بل أن
شطراً من حياته متصل بالدولة مثلا وآخر
بالمدرسة، وآخر بالمهنة، وآخر بالنظم التي ترفه
عن نفسه وتلهيها، وقد شرح الأستاذ وليم
جيمس ذلك شرحاً وفياً في كتبه عن علم
النفس وتكلم عن النفس الاجتماعية كلاماً
مسهباً سنعرض له في مقال آخر. ومن ذلك
يتبين خطأ الاجتماعيين القائلين بأن الدولة هي
كل شيء في المجتمع. ذلك لأن الدولة هي أحد
أنظمة المجتمع. نعم أتى وقت استغرقت الدولة
فيه كل حياة أفراد الهيئة الاجتماعية، كما كان
الحال في المدن اليونانية مثلا، على أن عصرنا
الحاضر يختلف عن الماضي. فإن جزءاً عظيماً
من جهود الفرد لا تصل إليها سلطة الدولة بل
تجهلها تماما. غير أن هذه الجهود الفردية
تتدرج مع الزمن وتتخذ شيئاً فشيئاً صبغة
وصورة اجتماعية، وما تزال تتطور وتمر بأدوار
وظروف خاصة حتى تنتهي بها أخيراً إلى أن
يتكون منها نظام اجتماعي خاص يضاف إلى
بقية الأنظمة. والنشوء الاجتماعي اليوم يرينا
نظماً اجتماعية لها سلطة هائلة قد تتضاءل
بجانبها سلطة الدولة. فسلطة الأنظمة دينية
مثلا أقوى بكثير من سلطة الدولة على الفرد،
وسلطة بعض النظم الاقتصادية كالبنوك مثلا
ونقابات العمال في أوروبا أو النظم الإصلاحية
كالصحافة مثلا تحد من سلطة الدولة كثيراً
بل قد تفوقها من حيث النفوذ.
ومما سبق يتبين خطل التأكيد بأن الدولة
هي المجتمع، ذلك لأن المجتمع كلي شامل لنظم
كثيرة بما فيها الدولة نفسها. والحق أن
سلطة الدولة على المجتمع في سبيل الزوال،
والجماعة هي التي تسيطر على الدولة وتوجهها

Notes and Questions

Nobody has written a note for this page yet

Please sign in to write a note for this page